الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أي أبيض كالماء.12- {وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ} أي تصدّع بالنبات.15- {يكيدون كَيْداً}: يحتالون حيلة.16- {وَأَكِيدُ كَيْداً}: أجازيهم جزاء كيدهم. اهـ.
تريد ان أباها نجم في علوه وشرفه.وليعلم ان القسم بهذه الأشياء هو قسم بربها، وعليه يكون المعنى، ورب السماء ورب الطارق، ورب الشمس، ورب القمر، ورب التين، وهكذا.ثم نوه جلّ شأنه بعظم هذا النجم على سبيل الاستفهام الدال على التفخيم فقال: {وَما أَدْراكَ} أيها الإنسان الكامل {مَا الطَّارِقُ 2} الذي أقسمنا به، هو {النَّجْمُ الثَّاقِبُ 3} في إضاءته وإنارته المتوهج المتوقد الذي يتقد سناه في الظلام، وسبب نزول هذه السورة هو ان أبا طالب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأتحفه بخبز ولبن، فبينما هو يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع أبو طالب وقال أي شيء هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا نجم رمى به وهو آية من آيات اللّه» فعجب أبو طالب ونزلت، وجواب القسم {إن كل نفس لما عليها حافظ} 4 من ربها موكل بحفظها من الآفات ويحفظ عليها عملها ويحصيه ويهيئ لها رزقها إلى بلوغ أجلها، وإن في صدر الآية نافية بمعنى إلا أي ما كل نفس إلا عليها حافظ وقرنت {لما} بالتخفيف وعليه تكون ان مخففة من الثقيلة، واللام في {لما} اللام الفارقة بين ان النافية وان المخففة من الثقيلة، وما للتأكيد وعليه يكون المعنى أن كل نفس لعليها حافظ، وكلاهما جائز، والأول أحسن وأبلغ وعليها المصاحف.قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ} الذي يرى نفسه كبيرا ويتعظم بقوته على غيره، وفي هذه الآية إشارة إلى أبي الأشد المار ذكره في السورة السابقة، وهذا من جملة المناسبات التي قد تأتي بين السور، وهكذا قد يكون بين كل سورة والتي تليها مناسبة على ترتيب النزول، وقد يكون أيضًا على ترتيب المصاحف، أي فليتفكر ذلك الإنسان المعجب بقوته {مم خلق 5} أخفى مادة خلقه لكونها لا شيء، ثم صرح بها بقوله: {خلق مِنْ ماءٍ دافِقٍ 6} الدفق صب مع دفع أي مصبوب بشدة في الرحم لعظم ما ينتج عنه من هذا الإنسان المنطوي على كمالات لا تعد ولا تحصى ثم بيّن منبع ذلك الماء بقوله: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ} من الرجل و{الترائب 7} من المرأة وإنما خصّ هذين الموضعين وهو في الأصل يخرج من جميع الأعضاء لأن أكثره من الدماغ فينصب في عروق الظهر من الرجل، وينزل من عروق كثيرة من مقدم المرأة، فيما بين الثديين.ولهذا قال من بين الصلب وهو عظام الظهر: (وليراجع في هذا الموضوع بحث طبي في مجلة التمدن الإسلامي الدمشقية ص 655 من المجلد 21 عام 1374) و{الترائب} وهي عظام الصدر والنحر ومركز الثديين، ومفرده تريب، قال المثقب العبيدي: وقال امرؤ القيس: أي فمن كان أصله من هكذا شيء مهين، لا يليق به أن يتفاخر ويتباهى ويتطاول، وليعلم أن الذي خلقه مما علم وأماته بانقضاء أجله في الدنيا {إنه} ولا شك {على رَجْعِهِ} إحيائه مرة أخرى وإعادته بعد موته كما كان في الدنيا {لقادر 8} حقا حقا واعلموا أيها الناس أن هذا الإحياء له أجل عند اللّه الحاكم العدل {يوم تُبْلَى} تختبر {السرائر 9} مكامن القلوب ومخابيها من العقائد والنيات السيئة وهو يوم القيامة يوم تظهر فيه خبايا الناس وتتكشف ضمائرها على ملأ الأشهاد ليعرف من أدى حقوق اللّه ممن ضيعها، ويتميز الأمين منها عليها من الخائن المقصر فيها، وفي ذلك اليوم العصيب يستسلم العبد لربه {فَما لَهُ} فيه {مِنْ قُوَّةٍ} يمتنع بها من عذاب اللّه كأبي الأشد وأضرابه المذكورين في الآية 4 من سورة البلد {وَلا ناصر 10} ينصره من قريب أو حميم ويتباعد عنه أقاربه {يوم يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} الآية 35 من سورة عبس، ثم أقسم جل قسمه فقال: {وَالسماء ذاتِ الرَّجْعِ 11} أي التي ترجع في كل دورة إلى الوضع التي تتحرك منه، أو المطر لأنه من أسمائه حيث يجيء ويرجع قالت الخنساء: أو أنها ترجع إلى ما كانت عليه قبل الفتق قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما} الآية 30 من سورة الأنبياء {وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ 12} المتصدعة بالأشجار والأنهار المنشققة بالنّبات والمعادن التي كانت كتلة واحدة مع السماء فانشقت عنها بأمر اللّه القادر فرفع السماء وأهبط الأرض وهو على كل شيء قدير وجواب القسم {إنه} أي هذا القرآن المنزل عليك يا سيد الرسل {لَقول فَصْلٌ 13} جزم قاطع بين الحق والباطل وصل بين الهدى والضلال {وَما هُوَ} كما يقول كذبة قومك وغيرهم {بالهزل 14} بل حق جد وحق جزم يترفّع قارئه عليكم ان يلم بهزل أو يتفكه بمزاح أو يتهم بتعليم أو نقل.وقد بلغ الغاية القصوى في الصدق والأمانة فمن شأنه أن يهتدي به الغواة وتخضع لهيبته رقاب العتاة ليس بلعب ولا باطل ولا سحر ولا كهانة ولا خرافة وإذا كان قومك لم يزالوا يتمارون بتقولاتهم وترهاتهم تلك، فدعهم يا حبيبي ولا تبال بهم ولا يهمك أمرهم وما يريدونه بك {إِنَّهُمْ يكيدون} ويحيكون لك {كيداً 15} حقدا ويدبرون لك حيلة تافهة يسيرة ليمكروا بك {وَأَكِيدُ} أنا الملك الجبار قاهر الأكاسرة ومبيد الأمم {كيداً 16} عظيما لا يقدر قدره البشر جزاء كيدهم بك فأستدرجهم لهوة هلاكهم من حيث لا يعلمون، فأنتقم منهم في الدنيا بالقتل والأسر والذلة والحقار والجلاء وبالآخرة بعذاب لا تطيقه أجسامهم، وإذا كان كذلك وهو واقع لا محالة {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ} أنظرهم وأفسح لهم المجال ولا تستعجل بالدعاء عليهم ودعهم يطيلون أملهم ليزدادوا غرورا وتطاولا في البغي والغي والطغيان.ولما كان الإمهال يكون كبيرا بعيدا أو قليلا قريبا نبه عليه بقوله: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً 17} شيئا يسيرا ومدة جزئية، فالعذاب آتيهم لا محالة وفيها تهديد عظيم ووعيد بالغ وقد أخذهم اللّه بعد نزول آية السيف وأمره بقتالهم، ثم فتح اللّه عليه بلدهم عنوة ومكنه منهم حتى صاروا كلهم من طلقائه وهذه الآية من الإخبار بالغيب المنوه به مما تأخر حكمه عن نزوله، راجع سورة الكوثر وما نرشدك إليه، لأن فيها إلماعا لاجتماعهم في دار الندوة وتشاورهم في أمر إهلاكه أهلكهم اللّه، كما سيأتي تفصيله في بحث الهجرة في سورة العنكبوت.هذا ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة في اللفظ ولم تكرر في القرآن أيضًا.هذا؛ واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد للّه رب العالمين. اهـ.
|